ندوة هيئة الدفاع عن الرئيس محمد ولد عبد العزيز

 

العرض الثاني  (6)

مع الأستاذ محمدٌ ولد إشدو

5. الانقلاب على حكومة الأغلبية الشرعية

ففي شهادته أمام محكمة الأصل قال معالي وزير العدل السابق الدكتور حيموده ولد رمظان: إن تقرير "لجنة التحقيق البرلمانية" وصل إلى وزارة العدل بطريقة غير رسمية؛ أي بمحول من رئيس البرلمان. وليس عن طريق وزارة العلاقات مع البرلمان (القناة الرسمية)، ولا عن طريق الوزارة الأولى. وعندما تلقيته دعوت طاقم الوزارة لدراسته فعكفنا عليه ثلاثة أيام، وأجمعنا حوله على ثلاثة أمور هي: وحدة الجانب وعدم الموضوعية وضعف التأسيس، أنه لا يوجد فيه ما يدل على ارتكاب أفعال مجرمة، أن رئيس الجمهورية السابق غير معني به من قريب أو بعيد، لأنه يتمتع بحصانة مطلقة بموجب المادة 93 من الدستور، ولأن التقرير لا يوجه إليه أي اتهام! وقد حملتُ (يقول معالي الوزير) هذه الخلاصة إلى رئيس الجمهورية الذي تفهمها وطلب مني أن أنقلها إلى الوزير الأول، وأن أحيل التقرير إلى النيابة العامة وأن أتابع الموضوع، ففعلت. وأحلت التقرير يوم الأربعاء 5/8/2020 وبالتوصية التالية: من أجل القيام بإجراءات المتابعة اللازمة".

ولم تفتح النيابة العامة لدى المحكمة العليا صفحة واحدة من التقرير ولم تعط تعليمات بخصوصه؛ بل أحالته فورا كما وردها (طعامَ عزير) إلى النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف، فأحالته هذه بدورها كما وردها، دون زيادة أو نقصان، إلى وكالة الجمهورية لدى محكمة نواكشوط الغربية التي وردها في آخر وقت دوام ذلك اليوم بعد أسفاره الثلاثة غير العادية من وزارة العدل إلى النيابة العامة لدى المحكمة العليا، ومن تلك إلى النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف، ومنها إلى محكمة الاستئناف إلى وكالة الجمهورية.

ومن المؤكد كذلك أن السيد وكيل الجمهورية لم يفتح - هو الآخر- صفحة واحدة من التقرير الذي ورد عليه دون تعليمات من النيابتين! وليس ذلك بسبب كسل وخمول الموظف العمومي في نهاية الدوام؛ خاصة إذا كان وكيل جمهورية في مدينة العجائب نواكشوط، ولا بسبب شدة تعب التقرير المسكين وما عاناه من وعثاء السفر الطويل السريع ذلك اليوم! بل لأن نسخة التقرير التي وصلت منهكة إلى وكالة الجمهورية فأغمضت عينيها ونامت طيلة تلك الليلة في مكتب السيد وكيل الجمهورية هي وأخواها الأكبران "تقرير التحقيق والتدقيق القانوني والمالي المعد من طرف مكاتب الخبرة المنتدبة" و"تقرير التدقيق القانوني والمالي المعد من طرف خبراء محكمة الحسابات" الناجيان بأعجوبة من الوقوع في قبضة النواب، ليست هي النسخة الأصلية لذلك التقرير! فتلك كانت بين يدي السيد وكيل الجمهورية مذ نحو أسبوع أو أكثر. وقد أعد حولها تقريره المفصل المسرب المؤرخ في 05/8/2020 وهو اليوم الذي وردت عليه في نهاية دوامه نسخة وزير العدل. ويبدو من تقرير وكيل الجمهورية المسرب أنه كان ثمرة دراسة جماعية معمقة كتلك التي جرت في وزارة العدل! ومن المستحيل إنجاز مثل تلك الدراسة بين عشية وضحاها، أحرى أن تنجز في ساعة أو ساعتين!

فوكيل الجمهورية كان لديه إذن تقرير "لجنة التحقيق البرلمانية" الأصلي بأجزائه الثلاثة، قبل أن تصله نسخة وزير العدل عن طريق النيابتين العامتين. وقد حصل عليه وعلى التعليمات بشأنه من خلية الانقلاب التي كان يتلقى تعليماتها مباشرة دون المرور بنيابتي المحكمة العليا ومحكمة الاستئناف! وهذا ما يفسر عدم إعطائه تعليمات من أي من النيابتين حول التقرير المحال إليه من طرفهما! أما نسخة وزير العدل الواصلة إلى السيد وكيل الجمهورية في نهاية دوام يوم 05/8/2020 فكان هدفها التمويه البحت، وتبرير الانقلاب المزمع على الحكومة الذي جرى في اليوم الموالي لوصول تلك النسخة "رسميا" إلى القضاء، باعتباره نتيجة طبيعية لاتهام البرلمان والقضاء للعشرية وقادتها بالفساد!

وفي يوم الخميس 06 أغسطس الموالي ليوم الأربعاء 05 أغسطس الذي تمت فيه إحالة نسخة تقرير لجنة التحقيق البرلمانية إلى النيابة على جناح السرعة، صدر بيان الانقلاب. وجاء فيه: "بالتزامن مع بدأ النيابة العامة في البلاد تحقيقات في شبهات فساد ومخالفات كبيرة وردت ضمن تقرير أعدته لجنة تحقيق برلمانية (في ذلك اليوم لم تكن قد بدأت تحقيقات من طرف النيابة) يشتبه في استفادة بعض كبار معاوني ومقربي الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز منها خلال فترة حكم هذا الأخير، قدم رئيس الوزراء إسماعيل ولد بده ولد الشيخ سيديا استقالته للرئيس بعد أن شمل التحقيق اسمه إلى جانب عدد من وزراء حكومته، حيث كانوا ضمن التشكلة الحكومية للرئيس السابق".

لقد تم إذن الانقلاب بالباطل على الحكومة الشرعية التي تشكلت منذ عام إثر الانتخابات الرئاسية مباشرة؛ والتي مثلت جميع أطياف الأغلبية المنتصرة في تلك الانتخابات! وتم ذلك بذريعة وصول تقرير – لا أساس له كما رأينا- من "لجنة التحقيق البرلمانية" الدعية إلى العدالة التي فتحت تحقيقا مع من وردت أسماؤهم فيه من أعضاء الحكومة المطاح بها! حسب ما ورد في بيان رسمي صادر من رئاسة الجمهورية!

وفي صباح اليوم نفسه (06 أغسطس 2020) استقبل الرئيس محمد ولد الشيخ محمد أحمد المهندس ولد بلال وعينه على رأس الحكومة وكلفه بـ"تنسيق العمل الحكومي" بدل ترك ذلك للمهندس إسماعيل ولد بده إلى أن تتشكل الحكومة (كما جاء في بيان وكالة الأنباء الرسمية). 

وبذلك تم الانقلاب بالباطل على العشرية وطويت صفحتها.. وجيء بالمفسدين!

وستتساءلون بحق: هل تمت إقالة الحكومة الشرعية (الانقلاب) حقا بسبب "بدأ النيابة العامة في البلاد تحقيقات في شبهات فساد ومخالفات كبيرة وردت ضمن تقرير أعدته لجنة تحقيق برلمانية" حسب ما ادعى بيان رئاسة الجمهورية؟ وهل تمت تلك الإقالة وفقا لمقتضيات نصوص الدستور الذي يحكم وحده هذا الموضوع، وهو القانون الأسمى في البلاد؟

وبكل صراحة ووضوح نقول لكم لا! ونبين لكم أسباب قولنا بالحقائق التالية:

الحقيقة الأولى: أنه لا وجود - كما بينا لكم آنفا- لتقرير صادر من البرلمان، أحرى أن يكون هناك اتهام صادر منه لأي كان. وأنه في الوقت الذي تمت فيه الإطاحة بتلك الحكومة صباح الخميس 06/8/2020 لم يكن قد بدأ أي تحقيق من طرف "النيابة العامة في البلاد في شبهات فساد ومخالفات كبيرة وردت ضمن تقرير أعدته لجنة تحقيق برلمانية" كما ادعى بيان رئاسة الجمهورية الكاذب.

الحقيقة الثانية: أن الانقلاب كان مبيتا من طرف الخلية المكلفة بتنفيذه، منذ اندلاع "فتنة المرجعية". وقد حددت تاريخه ليتزامن مع 06 أغسطس، ذكرى حركة 2008 نكاية بالعشرية وقائدها، ولا علاقة له بتقرير "لجنة التحقيق البرلمانية" إلا من باب التذرع به لإضفاء شرعية برلمانية زائفة على الحدث العظيم. ومن الأدلة القطعية لذلك، تسجيل بين يدينا لمكالمة جرت قبل نهاية عمل لجنة التحقيق البرلمانية بشهر أو اثنين، بين نائب رئيسها ومقررها، رئيس الوزراء الأسبق، يحي ولد الوقف، وبين أحد أصدقائه، يرجح أنه الوزير السابق يحي ولد كبد. سأل فيه الآخرُ يحي ولد الوقف: ما هي آخر الشائعات؟ فقال له يحي: "قامت علي عيطة اليوم بأن الحكومة استقالت. وبعد ذلك كذب لي الخبر". فقال الآخرُ: "ذلك أمر متوقع". فقال له يحي: "إذن ما يزالون ينتظرون شيئا"! فقال الآخرُ: "ينتظرون تحضير الاتهام"! فقال يحي: "لا أعتقد أنه سيقوم إلا بتغيير شامل"!

الحقيقة الثالثة والأخيرة؛ وهي أن حكومة المهندس إسماعيل ولد بده ولد الشيخ سيديا لم تستقل، ولم تُقل، خلافا لما روجه "الاعلام" المارق المأجور؛ بل أطيح بها وبإرادة الشعب التي أفرزتها عبر صناديق الاقتراع؛ وتم ذلك بانقلاب ناعم مفترى مَثّلَ عدوانا متعمدا على شرعية وقوانين وأمن الدولة، وشكلا من أشكال تغيير السلطة المنافي للدستور؛ والذي يعتبر جريمة غير قابلة للتقادم حسب نص المادة 2 (جديدة) من الدستور، والمادة 2 من القانون 010/2013 الصادر بتاريخ 23 يناير 2013 "المتعلق بعقاب جرائم الانقلابات وغيرها من أشكال تغيير السلطة المنافي للدستور بصفتها جرائم ضد أمن الدولة"! وخرقا سافرا للمادة 93 من الدستور، والمادة 136 من نظام الجمعية الوطنية الداخلي الذي يزعم منظرو شرعية الانقلاب أنه مكمل للدستور تارة، وقانون نظامي تارة أخرى!

إن ما حدث يوم 06/8/2020 لم يكن سوى استهداف ممنهج لأركان نظام الأغلبية الوطني ووزرائها وأطرها الذين أعادوا تأسيس الدولة بعد انهيارها وأرسوا قواعدها، فأدرجت أسماؤهم بغيا في تقرير تافه تم حجبه - كما رأينا بوضوح- عن البرلمان. ثم تمت تصفيتهم بدم بارد ببيان صادر من رئاسة الجمهورية يخرق جميع ترتيبات المادة 93 من الدستور والمادة 136 من النظام الداخلي التي تنص حرفيا على ما يلي:

- "للجمعية الوطنية أن توجه اتهاما للوزير الأول و/ أو لأعضاء الحكومة أمام محكمة العدل السامية طبقا لأحكام المادتين 92 (جديدة) و93 (جديدة) من الباب الثامن من الدستور.

- لا يعتبر قرار المتابعة وكذا الاتهام نافذا إلا بعد التصويت عليه بالأغلبية المطلقة من الأعضاء المشكلين للجمعية الوطنية في اقتراع علني. وفي هذه الحالة، يقدم الوزير الأول أو عضو - أو أعضاء- الحكومة المتهمون استقالتهم".

          لقد تمت الإطاحة إذن بالوزير الأول ووزراء حكومة الأغلبية المنتخبة الحاكمة، ولطخت سمعتهم، وألقوا في الشارع، وسجن من سجن منهم، وحوكم من حوكم، بمجرد ادعاء ورود أسمائهم في تقرير بائس منعدم الشرعية، وبادعاء كاذب ببدء النيابة العامة في البلاد تحقيقات في شبهات فساد ومخالفات كبيرة وردت ضمن تقرير وهمي! في حين أنهم لم يتهموا أصلا من طرف من يحق له وحده اتهامهم وهو الجمعية الوطنية/ البرلمان! حسب نص المادة 93 من الدستور، ونص المادة 136 من النظام الداخلي المذكورة آنفا! نعم لقد ظلم أولئك القادة والأطر ظلما شنيعا. لا بسبب جرم اقترفوه، أو تهم وجهت لهم؛ بل بسبب أنه كان يجب أن يطاح بهم لعدم صلاحيتهم للمرحلة الجديدة. مثلهم كمثل وزير العدل الدكتور حيموده ولد رمظان الذي شكل رأيه القانوني الصريح عقبة في طريق الانقلاب، ويتركوا مقاعدهم للمفسدين المنقلبين "الصالحين" لهذه المرحلة، والذين وقفوا طويلا في الطابور ينتظرون إتاحة فرصة التهام الكعكة الوطنية!

وإنه لمن حق الوزير الأول ووزراء الأغلبية الذين أطيح بهم ظلما وسحلوا، أن يرفعوا دعوى تعويض وجبر أضرار ضد الدولة الموريتانية حين تتم إزاحة الانقلاب!

يتواصل