أكاد أجزم بأن الأعلام والأناشيد الوطنية مع رمزيتها وقداستها هي كائنات حية مادية ومعنوية ذات سلطان مطلق بنّاء وهدّام؛ ولها - كغيرها من الكائنات- سير وحكايات تختلف باختلاف محتدها الذي تنتمي إليه، وعلاقة ذلك المحتد بالحضارة البشرية، ومدى الوعي والنهوض فيه، أو الانحطاط والخمول المعششين في ربوعه.
وبالرغم من انصهار شعبنا في بوتقة مختلف الحضارات البشرية التي عرفتها رقعة الوطن على مدى آلاف السنين، وتأثره بالشعوب والحضارات العربية والإسلامية والإفريقية، وحتى الأوروبية التي ظلت تراودنا لأزيد من خمسة قرون، فإن التاريخ لم يذكر لنا اقتناء قبيلة أو إمارة أو جهة من جهات الوطن عَلَمًا يميزها عن غيرها إلى عهد الاستقلال. أما الأناشيد فقد كان طبل الإمارة والحلة و"الأشوار" و"اتهيدين" تقوم بدور يكاد يلامس دورها.